ملف الأسبوع : الـ"بدون مأوى" تيرمومتر حقيقي لقساوة الطبيعة



يسود الحديث آنيا عن معدّلات الحرارة المنخفضة التي تبسط جناحيها على ليل ونهار المنطقة والجهة والبلاد، حيث لا يواكب هذا الحديث سوى التدثر بالأغطية وانتعاش سوق الألبسة الشتوية والإقبال على المشروب الساخن ونقص الدينامية بالشارع العام، وذلك دون إعارة الانتباه، من لدن الغالب حتّى لا نعمّم بقول الكلّ، لشريحة عريضة من الآدميين المفترشين للأرض والملتحفين بالسقيفات، شريحة بشرية تعدّ تيرمومترا حيّا لقياس مدى التدنّي الحراري، شريحة تجسّد بالفعل مقولة "النّاس معادن" بتمدّدها بالدفء الصيفي وتقلّصها بالقر الشتوي، شريحة من أناس بدون مأوى، يسمّون أيضا مُشرّدين، كما قد ينعتهم المنطوق الدّارج بـ "التشمكير"، أو ما دونه من ألفاظ قدحية جارحة.


ماشِي غِير آجِي وكُون مُشرّد..


و"الشمكار "على حد تعبير "تامغربيت"، يفترق في العادات السلوكية الإدمانية عن المشرّد المنتمي ضمن وثائق الإحصاءات العامّة الرسمية للسكان والسكنى لشريحة الـ "بدون مأوى"، إذ أنّ هذا الأخير هو كل من اعتبر الشارع المكان المعتاد لإقامته أو عمله دون توفره على مستقر يحفظ له عزة النفس ومذلة السؤال.. وظاهرة الأفراد الـ "بدون مأوى" لتعدّ من بين أسوأ الظواهر الاجتماعية الآخذة في الانتشار والتفشي بالمغرب، خصوصا بالمناطق التي تعاني من كثافة سكانية يواكبها ترد في مستوى الدخل الفردي.


بني انصار.. بؤرة التشرّد بامتياز



محلّيا، يمكن لأي متجول بشوارع الناظور أن يلحظ تواجد أفراد منه هذه الفئة المجتمعية، يسترزقون عن طريق استجداء المارة والجالسين بالفضاءات الخارجية للمقاهي، قانعين بدريهمات معدودات وواعين كونهم مصدر إزعاج للناس،حيث يعتبر الحيّز الترابي لبلدية بني أنصار من أكثر المناطق كثافة باعتماد عدد المُشردين كمقياس، فهي تشكّل الحيّز المفضل لشريحة عريضة من هذه الفئة المجتمعية بحكم توفرها على محطّة بحرية للمسافرين ومعبر حدودي برّي صوب مليلية، ما يوفر لهم فرصا كبيرة للإسترزاق عبر استعطاف العابرين وتحيّن فرصة العبور لمعانقة "الحلم الأوروبي" الذي قد يأتي أو لا يأتي.


صفة "بدون مأوى لا تمنع من الدِّيبَّانَاجْ..



بالنّاظور المدينة، يقضي هؤلاء المشرّدون ليلهم بالشوارع العامّة، يمكن أن تصادفهم على امتداد شارع الحسن الثاني أو داخل فضاء المحطة الطرقية أو وسط عتمة أطلال فندق الريف.. يسكنون الجحور وخرائب المنازل المهجورة، وكذا سلالم العمارات غير المحروسة، ولم تسلم من التحوّل إلى أسرّة مفتوحة لهم على الهواء الطلق لا الحدائق ولا باقي الفضاءات العمومية.. كما أنّ عددا من المتاجرين بالهمّ الإنساني يعملون على توفير أماكن حقيرة لنوم منعدمي المأوى تحت سقف مقابل سومة كرائية يومية تدفع مسبقا، تتراوح بين الخمسة دراهم والخمسة عشر درهما، قبل تكديس المرتادين الليليين ضمن في غرف مشتركة ضيّقة،حيث وتنتشر مثل هذه "الخدمات" بدور معروفة تنتشر عبر أحياء ترقاع وإيكوناف والحي المدني التي تلفظهم مع أولى أشعة الشمل على إيقاع تسول الأطعمة من فضلات الموائد، قبل الشروع في طقوس شم "السولوسيون" وتدخين أعقاب السجائر، وما إلى ذلك من ممارسات ممتدّة للنشاط الدّاعر.


سميت بّاكّ؟.. سْمٍيتْ مّْكْ؟.. سيرْ بْحَالْكْ



كثيرا ما يدفع بحث المشرّدين عن أربع جدران تقي من قساوة الطبيعة إلى ابتداع أساليب غريبة، تمتدّ بعضها إلى استفزاز رجال الشرطة من أجل الخضوع لفترة حراسة نظرية من 48 ساعة قابلة للتجديد مرّتين، إلاّ أنّ المشرّدين يعتبرون بأنّ تعامل رجال الشرطة ينال منهم فقط حين الرغبة في تحديد الهويّة بطرح أسئلة من قبيل: سميت بّاكّ؟.. سْمٍيتْ مّْكْ؟.. معقبة بلفظ سيرْ بْحَالْكْ المفضي لنهاية الغرض من التواجد بالمركز الأمني.. كما يقر الأفراد الـ "بدون مأوى" بافتقادهم للمعاملة العادلة في حال التعرّض للخطر، إذ غالبا ما يتمّ الامتناع عن التدخل في "التشنجات" التي ينتمي أحد أطرافها للفئة المتحدّث عنها.


آخر إبداعات التسيير النّاظوري.. مشرّدون في البّاطْوَار



شهدت مدينة النّاظور خلال السنوات الأخيرة تفتّقا إبداعيا تدبيريا لتغييب المشرّدين عن الأحياء طيلة المدّة التي تستغرقها الزيارة الملكية السنوية للمنطقة، إذ تسخر عربات ورجالات السلطة لنقل الـ "بدون مأوى" صوب مراكز دور الطفولة والعجزة، قبل أن يتمّ العمد في أعقاب الاكتظاظ بالمراكز الأخرى إلى الاستعانة بـ "الباطوار" الذي يتحوّل من مذبح بلدي إلى فضاء لـ "الاعتقال"، تعتمد به أساليب التكديس والتجويع وخلط المشردين بالمجانين والمتسوّلين ضدّا عن أي عرف كان أو مراقبة فعّلت.


آشْ المْعْمُولْ..؟



حاولنا في موقع ناظور24 وضع أرضية نقاش رغم إيقاننا بأنّ هذه الظاهرة، شأن كافة الظواهر البشرية، معقّدة وتنبغي إحاطة عملية شاملة، ومن ذلك تسطير مخطط منسجم مع أفكار: إنشاء صندوق للدعم والمساعدة الإجتماعية يعهد تسييره لجمعيات المجتمع المدني وينال قيمته المالية من ميزانية الدولة وتبرعات المحسننين والفاعلين الإقتصاديين.. وإحداث مراكز للإيواء والعلاج متوفرة على أطباء قادرين على التعامل مع هذه الفئة، توفر التكوين المهني ودروس التربية الغير نظامية.. لتأهيلهم للإندماج في المجتمع،وليس سجنهم.. إضافة لتحصين الترسانة القانونية تجاه تجريم التسول بالأطفال وتشغيلهم حيث أنّ كثيرا من المشردين بدؤوا حياتهم أطفالا متسولا بهم.. والأهمّ هو محاربة السكن غير اللائق أو العشوائي لتفريخ هذه المساكن لكم هائل من المشرّدين.. زيادة على إنشاء مؤسسات للمساعدة و الرعاية الاجتماعية من أجل العمل التأطيري بعمل وحدات للاستماع.

ليست هناك تعليقات: